Pages

الثلاثاء، 8 فبراير 2022

الرحيل 2 - ميكروفـــــــون ... اتكلم

 أجلس أمام الكمبيوتر من غرفتي في برلين سنة 2022 و على يساري هديتين تذكارييتين ، عرائس خشبية ، واحدة ذات معالم ذكورية شرقية واضحة ، كرش كبير و عباءة و طربوش و مسبحة و شنب و الأخرى معالم أنثوية شرقية واضحة أيضا عباءة و حلق ذهبي كبير و حلى و صحن كبير من الطعام فوق رأسها ، هذان التمثالان الصغيران يشكلان ركنا من أحب الأركان لقلبي في غرفتي.

فمبجرد النظر إليهم أعيش في عالم آخر و كأنهما نافذة خيالية ما ، تضعني كليا فورا في مكان آخر و زمن آخر. أذكر جيدا ذلك اليوم في الكلية تحت الكوبري بالقرب من طب ، و أنا بتحايل على صديقي أحمد العيص و بقوله دخلني ع الجروب ، أنا سمعت إن في جروب ع الفيسبوك اتعمل خلاص و انت لازم تدخلني عليه ، و هو راسه و ألف جزمة بردوده المنفعلة دائما و أبدا : ابعتلي مقال ، ابعتلي مقال واحد بس .. انت مش عايز تبقى على جروب مجلة ؟ يبقى لازم تبعت مقال. و تمر بضعة أيام و أنا باكل في نفسي ، لا ما هو مش هينفع يبقى في مجلة في الكلية و ناس بتكتب و الناس دي أنا عارفهم و أنا مش فيها .. لأ أنا لازم أبقى فيها !!

ربما كان هذا تصوري الوردي عن أيام الكلية و أنا عندي 14 سنة مثلا ، شباب و بنات لابسين بناطيل شارلستون واسعة أو أي لبس تاني كلاسيك بيروحوا الجامعة و بيتحركوا بسرعة و ليهم صحاب كول جدا و عارفين كل حاجة مستخبية ، الصحاب الكول دول بقى بيكتبوا مجلة و بيوزعوها و دايما بيبقى ليهم موقف ليهم صوابية سياسية معينة و دايما بيكونوا جزء من معارضة أو تمرد ما.

المهم نرجع لصاحبنا أحمد العيص ، أنا حرفيا مش فاكر أنا كتبت ايه و لا أظن حد فاكر ، أنا دورت ربع ساعة في جوجل درايف أثناء كتابة هذا المقال عشان ألاقيه ، مش لاقيه خالص. المهم كتبت اللي كتبته و بعته لأحمد و مرت ساعات طويلة جدا حتى أجد النوتيفيكشن إن "أحمد محمد" ضافني للجروب. أنا مش فاكر كتبت كام كومنت يومها ، اللي هو عديت على كل بوست من أول ما الجروب اتعمل أقراه و أعمل لايك و أكتب كومنت ، اللي هو أنا هناااااااااااااااااااا يا بني آدمين.

أذكر جيدا مراحل بداية المجلة و ما سيكون اسمها .. و أين سننشر و لمن ؟ و بكام ؟ كلها أسئلة منطقية تبدو حاليا غاية في الصعوبة و لكن عند وجود الرغبة ستجد الاجابات و بسرعة. بدأنا في الكتابة ، أذكر جيدا أن الجميع كان يكتب و يضع على الجروب ، أذكر صديقي أحمد بدرة كان كتب مقالا بعنوان الأخلاق هي الحل .. في ذلك الوقت كان بدأ نجم معتز بالله عبد الفتاح كـ "ناشط سياسي بيفهم" في اللمعان و أرسل له صديقنا المقال لأيخذ رأي "حد خبير" ، و قال معتز عبد الفتاح المقال دا كويس ، و كم كان صديقي فخورا بذلك ، المهم ظل الجميع يكتبون يكتبون و لم نكن نعرف متى سننشر و ماذا سننشر .. حتى بدأنا فى الاجابة عن هذه الأسئلة أولا ، ربما في تلك الفترة لم أهتم كثيرا بالكتابة بقدر ما اهتمتت بالاجابة على كل الأسئلة السابقة الأخرى. المهم يوما ما قولنا خلاص احنا هنجمع اللي اتكتب دا و ننشر ... هننشر يوم 10 مايو ، في تلك الفترة كانت ظهرت بالفعل عدة أفكار عن ماذا سيكون اسم مجلتنا منها اسم ميكروفون .. و لكن عندما قيلت جملة هننشر يوم 10 مايو طرحت أنا مقترحا جديدا و هو المجلة يبقى اسمها 10 مايو. نشرنا و كالعادة متأخرا كثيرا عن الديدلاين لأن إصدار مجلة أكبر بكثير من مجرد كتابة محتواها النصي ، نشرنا العدد صفر من المجلة كعدد تجريبي أونلاين لنرى في النهاية شكل انتاجنا و نحاول أن نفهم ما نكتب و ما علاقته ببعض و كيف يظهر للقارئ و نحاول أن نخلق من كل ذلك نسيجا معينا له هوية.

ثم ظهرت فكرة ياللا و الله احنا نقدر ، احنا نقدر نطبع و ننشر و نبيع المجلة و نجيب تكلفة طباعتها و طبعا كعادة كل مجلة في عددها الأول كان لابد من خبطة صحفية ، و الخبطة الصحفية لابد لها من صحفي .. تكثفت الجهود لضم صديقنا الصحفي الوحيد أحمد الفقي لكي يشارك معانا في المجلة ، و بطبيعة أحمد الفقي الودودة جدا و في نفس الوقت المترفعة جدا جدا كان له طلبات و شروط بس هيساعد .. و بالفعل خرج في العدد الأول حوار صحفي مع مرشح رئاسة الجمهورية في ذلك د. عبد المنعم أبو الفتوح و بالطبع كان يجب أن نظهر نفحة من نفحات حبيبنا كلنا د.أحمد خالد توفيق. كانت ترد إلينا الأخبار كالأفراح الواحد تلو الآخر .. د.أحمد موافق و بيقول هيبعت لنا المقال كمان كام يوم .. إحنا حددنا المعاد خلاص مع د. عبد المنعم و هنروح يوم كذا مين قال جاي ؟


 

أذكر جيدا أني كنت أتمنى الذهاب إلى هذا اللقاء ، أذكر أني صارعت أشياء كثيرة في الليلة السابقة للموعد و يومها في الصباح و أنا أكاد أنهار و أنا لا أستطيع الرد على الموبايل لأني لم أستطيع الذهاب لأني فعلت كل ذلك و أكثر دون موافقة من والديّ و كان في ذلك الوقت السفر للقاهرة مع عدم معرفة موعد الرجوع خطيرا جدا جدا أن يعرفا أني بسبب المجلة فعلت كذا و كذا و سافرت بدون علمهم و موافقتهم و بالتالي ستظل السنين القادمة كلها حوارا عن أهمية تركي للمجلة و التركيز في الدراسة و مدى خطورة الاستمرار ... لم أتحمل في ذلك الوقت أن أخسر وجودي في المجلة أو أن يكون وجوي فيها سببا للتوتر المستمر. أردت بشدة المجئ و المجازفة و بالتالي لم أقل لا مش هقدر آجي ، لكني أخطأت ، أخطأت كثيرا في تقديري للأمور في ذلك الوقت ، والديّ ، أصدقائي: سامحوني.

عموما كان العدد الأول ب 3 جنيه ، اتفقنا على السعر حتى قبل أن نعرف تكلفة الطباعة ، صعوبات رهيبة في ايجاد تمويل كافي ، لا أحمد يحتكم على 1000 جنيه حتى أغنى أغنياء أصدقاءنا و الإعلان الوحيد الذي تمكنا من الحصول عليه كان من مجموعة صيدليات تعود ملكيتها لوالدة زميلة لنا و هي أميرة الفيومي و التي ستنضم لفريق المجلة في العدد اللاحق. أتذكر ذلك الاجتماع جيدا في الدور الثاني أو الرابع في الكلية و كل منا يستجمع حساباته و يقول بكل شجاعة كم المال يستطيع ذلك الشخص وضعه في المجلة و متى يستطيع إحضار المبلغ. تمكنا من الطباعة ، تمكنت من أخذ العربية من البيت للحصول على نسخ المجلات من المطبعة لأفاجئ بالجميع تقريبا يأتون للمطبعة من كل فج عميق في وقت متأخر نسبيا من المساء. و هنا أصبحت المجلة حقيقة و هنا تحول كل شئ.

لا أريد سرد المزيد من القصص و أنا أمتلك المزيد... أريد هنا تثبيت اللحظة ، لحظة تحول الحلم لحقيقة ، أنا أرى أن من أجل لحظة كهذة تستحق الحياة أن نعيشها.

كتبنا عن ما نعرف ، عن السياسة و الأدب و التاريخ و تشاركنا حبنا للأفلام ، عن الزواج و اللازواج ، عن تفاصيل من حياة مصري ، ذلك الملف الذي أردناه و بشده عن العقيدة المسيحية و الكنيسة و العادات الدينية و الصلوات و معاني هذه المفردات ، مجموعة من المسلمين و المسلمات حصرا يكتبون عن الديانة المسيحية. خرج الملف للنور بمعاونة صديق و بتدقيق و مراجعة من قسيس. كتبنا عن الطفولة و الشباب و سوريا و غزة ، أصدقاء أصدقاء كتبوا لنا و تعرفنا عليهم ، لكن تظل في النهاية الثورة هي الموضوع المشترك الأكبر في كل ما كتبنا.

الثورة .. الحلم الذي تحول و الذي كان في ذلك الوقت ما زال يتحول إلى حقيقة.

اندهشت كثيرا من أصدقاء كثيرين لي ، لم يشاركوني ذلك الشغف ، ظننت لوقت ما أن ذلك الشغف أمرا عاديا عند كل الناس ، كنا نريد أن نعرف أكثر و نشارك كل ما نعرف مع كل الناس. فكتابة مقال من 100 كلمة أصبح يسلتزم على الأقل أسبوع من البحث و المعرفة و هو أكثر ما أمتعني في الكتابة. عرفنا مدى صعوبة الكتابة الصحفية الدقيقة. عرفنا أهمية التدقيق اللغوي و الاملائي ، أصبحنا كلنا نفهم في التصميم و الألوان و لكن هنا يجب أن أقول لولا وجود مصممة معنا كـ: سالي عبد الرحمن ، لما خرجت ميكروفون أبدا بذلك الشكل ، لا أتكلم فقط عن احترافيتها و جمال ما تنتجه ، لكن ايمانها بالموضوع و بالأفراد و هي القاطنة في الاسكندرية و لم تكن تعرف أيا من أفراد المجموعة في ذلك الوقت. عرفنا كيف نبني مجموعة ، أن تجري عدة مقابلات من غرباء للدخول للمجلة و يصيروا فيما بعد أعز أصدقاءك أو شركاء حياتك.

أشيح بعينيا سريعا من أمام التمثالين ، لا أدري كم استغرقت من الوقت في النظر اليهم ، ربما بضع ثوان ، و لكن تلك الفجوة الزمكانية لها معايير أخرى في حساب الزمن و المسافات. بالمناسبة التمثالان كانا صورة غلاف العدد الثاني ، أحب الأعداد إلى قلبي.

صحيح يا أخوانا أنا خدت التمثالين دول ، آخر مرة كنا بنبيع العدد الرابع كانوا معانا ع الترابيزة و أنا روحت بيهم البيت ... فضلوا في درج مكتبي لغاية آخر مرة كنت في مصر خدتهم معايا و أنا راجع ... ممكن أحتفظ بيهم ؟