Pages

الخميس، 9 أغسطس 2018

خطاب لم أرسله بعد ..

جميلتي الصغيرة ؛

أحاول كثيرا إجابة سؤالك المتكرر : "ضيأة فين ؟" و لكني لا أستطيع.
كيف لي أن أفسر غيابي المفاجئ عن عينيك الجميلتين ؟
كيف لمن اعتاد لمسك و التصفيق و الرقص معك أن يغادرك وحيدا ؟!
كيف أصف لك ما أمر به و كيف أفسر لك ما حدث ؟

حسنا فلنحاول :

بلغتك البسيطة : كل ما في الأمر أن "طِيًّارة طاطت" و حطت هنا في برلين حاملة معها دموعي و أوجاعي و اشتياقي لك و لجميلتي الكبيرة و لأبي و لاخوتي و لأصدقائي و لـ 27 سنة من عمري.

كم أشتاق لأناملك الدقيقة و بسمتك التي تفوق ضياء الشمس وهجة و أملا و إشراقا.
كم أنا وغد كي أفوّت لحظات كتلك التي بدأتي تنطقين فيها الكلمات بشكل سليم.

عندما صفقتي بيديك الناعمتين كنت هناك
عندما غنيتي لأول مرة كنت هناك
عندما خطوتي خطواتك الأولى كنت هناك
عندما نطقتي أولى كلماتك الكرتونية كنت أيضا هناك
و لكن ليس بعد ذلك ......




ضيأة فين ؟


الحلم و الأمل و الطموح يا جميلتي أمور خطيرة جدا ، من ابتلى بها فهو في شقاء دائم كهذا ، كلما وصل لشئ يجد نفسه ما زال بعيدا عن أشياء أخرى و يجري حالما وراء السراب عله يجده ، يفيق في نهاية الماراثون ليجد نفسه قد قطع أميالا ربح فيها ما ربح و خسر فيها من خسر.

ضيأه فين ؟

عليكي أن تعلمي يا جيجي أن بلادنا وصل بها الحال إلى أن أصبح طموح أغلب شبابها هو الابتعاد و الفراق ! تماما كما فعلت. 
حاولنا أنا و رفاق الفكرة أن نحول دون حدوث ذلك و لكنك ستعلمين مؤكدا يوما ما أننا لم نكن جبناء و أننا لم نلوذ بالفرار إلا بعدما انسدت أمامنا جميع طرق التغيير و أن أي مناد بالإصلاح أصبح مرشحا لحبل المشنقة*
يؤسفني إخبارك يا جيجي أن عمّك ليس شجاعا بما فيه الكفاية للتضحية بنفسه مرتين من أجل أفكاره ..

أتعلمين ؟

لم أخاف الموت خلال الثورة و ما بعدها ، كنت حقا أغبط الشهداء على ما وصلوا إليه من قناعة و يقين ، لكن ما حدث يوم السادس عشر من أغسطس 2013 جعلني أقل استعدادا للتضحية بنفسي و أكثر حرصا على حياتي و أقل ميلا للمشاركة في أي شئ "خطر". أصبح ما أريد هو الفرار ، النجاة بما تبقى مني.

تتزاحم داخلي المشاعر و الأفكار يا جميلتي و لكني لا أريد الآن سوى قبلة منك مع حضن كَبِييييييير ، يعوقني عن ذلك بحر ... و تأشيرة ... و حلم.

* اليوم تم تنفيذ حكم الإعدام على 15 مدنيا مصريا في محاكمة عسكرية.
كتبت في 27.12.2017

لكني بكل بساطة لا أريد سوى احتضانك و انتي تلفي ذراعيك على ظهري مقبلة وجهي الحقيقي لا على شاشة كمبيوتر و انتي تقولين حبيييييييييبي كبييييييييير

هناك تعليقان (2):