Pages

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

بكابورت التكليف



تُقرأ فى 3 دقائق



فى صدفة كونية تحدث مرة فى العمر اضطررت إلى الذهاب إلى اجتماع الأطباء الأوائل (مديري الوحدات الصحية) بإدارة السنطة الصحية مكان تكليفي. في ذلك الاجتماع لمست العديد من الأمور فى كيفية إدارة المنظومة الصحية عموما و الطب الوقائي خصوصا.

تم الاجتماع فى غرفة مدير الإدارة و يبدو انه فى حقبة ما من الزمن خاف أحد مديري الإدارة على صحته النفسية و خشي من أن يصيبه غرور عظيم من هول المنصب الذى هو فيه فقرر وضع لافته تذكره دوما بالتواضع خلف مكتبه - يبدو أن وزير التعليم هو من كتبها له - كُتب عليها : إنا المناصب لا تدوم. (آه و الله إنااااااااا)

لدهشتي وجدت فى الاجتماع حوالى 5 من كبار السن اقتربوا من سن المعاش و هم ما زالوا مديري وحدات صحيه ، هززت رأسي بسرعة لمجرد تخيلى أن شخصا مثلي قد يبقى فى الوحدة الصحية حتى المعاش !!
بالتأكيد كان مظهرهم السبعيناتى لافتا جدا حيث البدل الصيفية ذات الجيبين الأماميين و حقائب المؤتمرات الجلد المكتوب عليها أسماء الأدوية و اسم المؤتمر بالخط العريض لزوم التباهي.

كانت أهمية الاجتماع الذى يعقد مرة كل شهر هو تدريب الأطباء حديثي التخرج أمثالنا على كيفية التعامل الرسمي مع الإدارة و الوزارة و كيفية التعامل مع المرور و غيرها من الإداريات ، بالطبع أثنى مدير الإدارة كثيرا على زملاءنا الأطباء الكبار سنا حيث أنهم يعتبرون الوحدة الصحية مكانهم فيبدون حرصا شديدا على نظافة المكان و يمرون يوميا على الغرف و الثلاجات و الأجهزة بينما نحن الـ 40 طبيب الصغار سنا فإننا جيل فاسد لا يهتم و لا يكترث بنظافة الوحدة و لا بالإداريات الهامة جدا.

دار الحديث حول الأجزة المعطلة بالوحدات ، و فى رأيي هذا الجزء يلخص الكثير من كيفية تعامل المسؤلين فى بلدنا عموما و فى الصحة خصوصا ، هنا انبرت طبيبة من الإدارة لا أعرف منصبها تحديدا و قالت لنا أن أى جهاز معطل و خصوصا الثلاجات (تستخدم لحفظ التطعيمات) يجب أن نرسل مذكرة للإدارة نبلغهم بتعطل الجهاز و لا نكتفى بذلك بل يجب أن يتم لصق ورقة على الثلاجة أنها معطلة و يكتب فيها أنه تم إبلاغ الإدارة بمذكرة رقم كذا بتاريخ كذا و إذا مر شهر يتم كتابة مذكرة جديدة و ملصق جديد حتى إذا جاءك مرور تخلى مسؤليتك أمامه.

هنا سأل أحد الشباب "طب و بخصوص التلاجة هتتصلح ؟"
و جاء الرد بالنص : " انت مالكش دعوة انت تفضل تبعتلنا تبعتلنا تبعتلنا و تلزق ع التلاجة أهم حاجة ما يجيش المرور يلاقى التلاجة بايظه و يقول انتم ما بتبلغوش ليه ؟ أو مانتوش لازقين عليها ليه ؟"
و هنا قاطعها أحد الشباب و هو طبيب أسنان قائلا : "جهاز الأوتوكلاف عندى بايظ (يستخدم للتعقيم) و بعت فعلا للإدارة أكتر من 6 مرات و باضطر أعقم فى عيادتى الخاصة ممكن تجيبولنا واحد بداله أو تصلحوه ؟ "
"آه فعلا جالنا كذا مذكرة و بتوع الصيانة فى الإدارة مش عارفين يصلحوه .."
و هنا أكمل أحد أصحاب البدل الصيفية : "و الله انت تقدر تبعت ممرضه بالتعقيم لبلد تانية تروح تعقم فى الوحدة بتاعتها و تجيلك تاني بس لو عايز تعقم فى عيادتك يبقى كتر خيرك و جزاك الله خيرا"

سأل أحد الشباب عن الأدوية و خصوصا خوافض الحرارة التى تنفذ كمياتها فى ثانى أيام قدوم طلبية الدواء.
هنبقى نزودلكم شوية
يا دكتور دى بتخلص تانى يوم
هنزودلكم شوية





لمن لا يعلم :

الوحدات الصحية تقوم بتأدية الخدمة الصحية الأولية Primary Health Care
بمعنى أنها غير مجهزة للتعامل مع حالات الطوارئ و الأدوية الموجودة بها يتم صرفها للمرضى بالمجان بعد كشف يكلف المريض جنيها واحدا و هى أدوية أغلبها للأمراض المزمنة كالضغط و السكر و احيانا ارتفاع درجة الحرارة لأنها تنفذ حرفيا فى نفس يوم وصول طلبية الدواء..
إذا فنحن نعطي التطعيمات و نصرف العلاج لمن يحتاجه و نسجل المواليد و الوفيات و نتابع الحوامل و نُحيل جميع الحالات الأخرى إلى المستشفى العام ، إلى الشق العلاجي من الطب ، فدورنا ينتهي هاهنا كطب وقائي ، لكن الغالب أننا نتعامل مع جميع الحالات التى نعرف تشخيصها و علاجها و نضطر بالطبع لكتابة العلاج من الصيدليات خارج الوحدة.

بالمناسبة : طالما يعلم أهل البلد أن بوجود أدوية بالوحدة الصحية أو كما يسمونها "المشتشفى" ، فنحن نسجل 70 أو 80 زيارة للعيادة الخارجية طالبين للدواء سواء كانوا مرضى أم لا ، أما عند نفاذ الطلبية يتقلص إلى العدد إلى الثُمن أو العُشر.

لكن هناك من قرر أن الوحدات الصحية يجب أن تعمل 24 ساعة فى اليوم سبعة أيام فى الاسبوع برغم ان صرف الدواء يتوقف عند الثانية ظهرا و الوحدات غير مجهزة بتاتا لاستقبال حالات الطوارئ !!!

فالمطلوب منى أن أنهى عملى المعتاد الساعة 2 ظهرا ثم الصعود إلى السكن - الغير صالح لاستخدام البشر - أحدق فى الاشئ حتى يأتى رئيس مجلس و مدينة السنطة ليمر على الوحدة فى الثانية عشر و النصف منتصف الليل ليتأكد من وجود ذلك الطبيب معدوم الضمير الذى لا يسهر لخدمة الغلابة أبناء وطنه و يفضل المبيت فى بيته كاسرا بذلك كل معايير المنطق بالنسبة له.

بالتأكيد لم و لن يجدني ، على مدار 12 يوما مر على فيهم رئيس مجلس المدينة بنفسه ليتحقق من وجودى فى الوحدة الساعة الخامسة فجرا أو الواحدة صبحا أو حتى الثامنة مساء لم يجدني فى الوحدة مما أدى معاقبتي بخصم 38 يوم من راتبي الشهري و بالتأكيد سِجل وظيفي ذائع الصيت وسط موظفي إدارة السنطة الصحية.

آخر مرة مر علي و لم يجدني ترك لي تلك الرسالة فى الدفتر :



عزيزى رئيس مجلس المدينة :

أعلم أن العديد من الأطباء يأتون إلى مكتبك فى رئاسة المركز و يستسمحونك عذرا كى ترفع عنهم الجزاءات الموقعة ضدهم و بالفعل تتوسط لهم و تمحو تلك الجزاءات ، يُظهرون لك بعدها التزاما صوريا تسعد به و تحوّلهم بالظبط إلى ما تريد و ما يريده كل موظف كبير فى تلك البلاد ؛ حامي لنفسه من الجزاءات. و لكنى لن آتى ، استمر فى مذكراتك فما تفعله قانوني و بالمناسبة أنت تقوم بعملك على أكمل وجه فى المرور على أطباء الوحدات و تبذل مجهود خرافي في هذا المجال و بالتأكيد مستقبلك باهر فى تلك البلاد ، لا أستبعد أن أرى اسمك يوما ما كمحافظا أو ربما وزيرا و ما أفعله أنا إنساني فأنا أقوم بواجبي أيضا ، آتى فى أيامى للوحدة صباحا ، أقوم بالكشف على أهل البلد الغلابة و أصرف لهم العلاج المجاني الذى توفره لهم الدولة بما يرضي الله ، أنهى عملي و أذهب فى تمام الثانية ظهرا ، فإذا لم تشرف بمقابلتى حتى الآن يمكنك السؤال عن أيامي فى الوحدة و المجيئ فيها صباحا ستجدنى فى مكتبي أقوم بعملي.

فلتستمر فى المرور و لتستمر الإدارة فى الخصم و لكن ما يطمئني ان أساسي الراتب لن يخصم مهما أرسلت من مذكرات و بالتالي سأضمن 200 جنيه على الاقل من الوظيفة يوفروا لي ثمن ملئ السيارة بالوقود حيث إن اليوم الواحد يكلفني ربع تانك الوقود ذهابا و إيابا أى أني أضطر إلى ملئ السيارة مرتين فى الشهر ، فقط لأتكمن من المجئ للوحدة لخدمة الغلابة !

عزيزي رئيس مجلس المدينة اللواء المهندس ؛ يمكنك أن تخدم الغلابة بطرق أفضل كثيرا من إهدار وقتك الثمين لتتحقق من وجود الأطباء بوحداتهم الصحية أثناء النوبتجية و السهر ، يمكنك تحسين العديد من الأمور الحياتية و لتترك لنا الاهتمام الأوّلي بصحتهم.

فى النهاية نحن نهدر أعمارنا هنا حرفيا و ما يدهشني حقا أن هناك من يتقاتلون للحصول على تلك المناصب القيادية فى ذلك البكابورت !!

اسمع الأغنية :)






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق